فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذه الدلالة من مستتبعات المقام وليست من لوازم معنى التركيب.
وهذا من أدق التخلص بحرف إنَّ لأن المناسبة بين المنتقل منه والمنتقل إليه تحتاج إلى فطْنة، وهذا مقام خطاب الذكِيّ المذكور في مقدمة علم المعاني.
فيكون موقع جملة {إنا نحيي الموتى} استئنافًا ابتدائيًا لِقصد إنذار الذين لم يتبعوا الذكر، ولم يخشوا الرحمان، وهم الذين اقتضاهم جانب النفي في صيغة القصر.
ويجوز أن يكون الإِحياء مستعارًا للإنقاذ من الشرك، والموتى: استعارة لأهل الشكر، فإحياء الموتى توفيق من آمن من الناس إلى الإِيمان كما قال تعالى: {أفمن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات} [الأنعام: 122] الآية.
فتكون الجملة امتنانًا على المؤمنين بتيسير الإِيمان لهم، قال تعالى: {فمن يرد اللَّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} [الأنعام: 125]، وموقع الجملة موقع التعليل لقوله: {فبشره بمغفرة وأجر كريم} [يس: 11].
والمراد بكتابة ما قدموا الكناية عن الوعد بالثواب على أعمالهم الصالحة والثواب على آثارهم.
وهذا الاعتبار يناسبه الاستئناف الابتدائي ليكون الانتقال بابتداء كلاممٍ منبهًا السامعَ إلى ما اعتبره المتكلم في مطاوي كلامه.
والتأكيد بحرف إنّ منظور فيه إلى معنى الصريح كما هو الشأن، و{نحن} ضمير فصل للتقوية وهو زيادة تأكيد.
والمعنى: نحييهم للجزاء، فلذلك عطف {ونكتب ما قدموا} أي نُحْصي لهم أعمالهم من خير وشر قدموها في الدنيا لنجازيهم.
وعطفُ ذلك إدماج للإِنذار والتهديدِ بأنهم محاسبون على أعمالهم ومجازَون عليها.
والكناية: كناية عن الإِحصاء وعدم إفلات شيء من أعمالهم أو إغفاله.
وهي ما يعبر عنه بصحائف الأعمال التي يسجلها الكِرام الكاتبون.
فالمراد ب {ما قدموا} ما عملوا من الأعمال قبل الموت؛ شبهت أعمالهم في الحياة الدنيا بأشياء يقدمونها إلى الدار الآخرة كما يقدم المسافر ثَقله وأحماله.
وأما الآثار فهي آثار الأعمال وليست عينَ الأعمال بقرينة مقابلته ب {ما قدموا} مثل ما يتركون من خير أو يثير بين الناس وفي النفوس.
والمقصود بذلك ما عملوه موافقًا للتكاليف الشرعية أو مخالفًا لها وآثارهم كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سَنَّ سُنة حسنة فله أجْرُها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة ومَن سَنّ سنة سيئة فعليه وزرُها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة لا يَنقص ذلك من أعمالهم شيئًا».
فالآثار مسببات أسباب عملوا بها.
وليس المراد كتابة كل ما عملوه لأن ذلك لا تحصل منه فائدة دينية يترتب عليها الجزاء.
فهذا وعد ووعيد كلٌّ يأخذ بحظه منه.
وقد ورد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني سلمة أرادوا أن يتحوّلوا من منازلهم في أقصى المدينة إلى قُرب المسجد وقالوا: البقاع خالية، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «يا بني سَلِمة ديارَكم تُكتبْ آثاركم» مرتين رواه مسلم.
ويعني آثار أرجلهم في المشي إلى صلاة الجماعة.
وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد زاد: أنَّه قرأ عليهم: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} فجعل الآثار عامًّا للحسية والمعنوية، وهذا يلاقي الوجه الثاني في موقع جملة {إنا نحن نحيى الموتى}.
وهو جار على ما أسسناه في المقدمة التاسعة.
وتوهَّم راوي الحديث عن الترمذي أن هذه الآية نزلت في ذلك وسياق الآية يخالفه ومكيتها تنافيه.
والإِحصاء: حقيقته العدّ والحساب وهو هنا كناية عن الإِحاطة والضبط وعدم تخلف شيء عن الذكر والتعيين لأن الإِحصاء والحساب يستلزم أن لا يفوت واحد من المحسوبات.
والإِمام: ما يُؤتم به في الاقتداء ويُعمَل على حسب ما يَدلّ عليه، قال النابغة:
بنوا مجد الحياة على إمام

أطلق الإِمام على الكتاب لأن الكتاب يتّبع ما فيه من الأخبار والشروط، قال الحارث بن حلزة:
حذر الجور والتطاخي وهل ينـ ** ـقض ما في المهارق الأهواء

والمراد ب {كل شيء} بحسب الظاهر هو كل شيء من أعمال الناس كما دل عليه السياق، فذكر {كل شيء} لإِفادة الإِحاطة والعموم لما قدموا وآثارهم من كبيرة وصَغيرة.
فكلمة {كلّ} نص على العموم من اسم الموصول ومن الجمع المعرّف بالإِضافة، فتكون جملة {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} مؤكدة لجملة {ونكتب ما قدموا وآثارهم} ومبينة لمُجملها، ويكون عطفها دون فصلها مراعىً فيه ما اشتملت عليه من زيادة الفائدة.
ويجوز أن يكون المراد ب {كل شيء} كل ما يوجد من الذوات والأعمال، ويكون الإحصَاء إحصاء علم، أي تعلق العلم بالمعلومات عند حدوثها، ويكون الإِمام المبين علم الله تعالى.
والظرفية ظرفية إحاطة، أي عدم تفلت شيء عن علمه كما لا ينفلت المظروف عن الظرف.
وجعل علم الله إمامًا لأنه تجري على وفقه تعلقات الإِرادة الربانية والقدرةِ فتكون جملة {وكل شيء أحصيناه} على هذا تذييلًا مفيدًا أن الكتابة لا تختص بأعمال الناس الجارية على وفق التكاليف أو ضدها بل تعمّ جميع الكائنات.
وإذ قد كان الشيء يرادف الموجود جاز أن يراد ب {كل شيء} الموجود بالفعل أو ما يقبل الإِيجاد وهو الممكن، فيكون إحصاؤه هو العلم بأنه يكون أو لا يكون ومقادير كونه وأحواله، كقوله تعالى: {وأحصى كلّ شيء عددًا} [الجن: 28]. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)}.
أمال حمزة والكسائي الياء في {يس} غير مفرطين والجمهور يفتحونها ونافع وسط في ذلك، وقوله تعالى: {يس} يدخل فيه من الأقوال ما تقدم في الحروف المقطعة في أوائل السور، ويختص هذا بأقوال، منها أن سعيد بن جبير قال: إنه اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم دليله {إنك لمن المرسلين} وقال السيد الحميري:
يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة ** على المودة إلا آل ياسينا

وقال ابن عباس: معناه يا إنسان بلسان الحبشة، وقال أيضًا ابن عباس في كتاب الثعلبي: هو بلغة طيِّىء وذلك أنهم يقولون يا إيسان بمعنى إنسان ويجمعونه على أياسين فهذا منه، وقالت فرقة: يا حرف نداء، والسين مقامة مقام الإنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه، ومن قال إنه اسم من أسماء السورة أو من أسماء القرآن فذلك من الأقوال المشتركة في أوائل جميع السور، وقرأ جمهور القراء {يس} و{نون} [القلم: 1] بسكون النون وإظهارها وإن كانت النون ساكنة تخفى مع الحروف فإنما هذا مع الانفصال، وإن حق هذه الحروف المقطعة في الأوائل أن تظهر، وقرأ عاصم وابن عامر بخلاف عنهما {يس والقرآن} بإدغام النون في الواو على عرف الاتصال، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف بنصب النون، وهي قراءة عيسى بن عمرو رواها عن الغنوي، وقال قتادة: {يس} قسم، قال أبو حاتم: قياس هذا القول نصب النون كما تقول الله لأفعلن كذا، وقرأ الكلبي بضمها وقال هي بلغة طيىء يا إنسان، وقرأ أبو السمال وابن أبي إسحاق بخلاف بكسرها وهذه الوجوه الثلاثة هي للالتقاء، وقال أبو الفتح ويحتمل الرفع أن يكون اجتزاء بالسين من يا إنسان، وقال الزجاج النصب كأنه قال اتل يس وهو مذهب سيبويه على أنه اسم للسورة، و{يس} مشبهة الجملة من الكلام فلذلك عدت آية بخلاف {طس} [النحل: 14] ولم ينصرف {يس} للعجمة والتعريف، و{الحكيم} المحكم، فيكون فعيل بمعنى مفعل أي أحكم في مواعظه وأوامره ونواهيه، ويحتمل أن يكون {الحكيم} بناء فاعل أي ذو الحكمة، وقوله: {على صراط مستقيم} يجوز أن تكون جملة في موضع رفع على أنها خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنها في موضع حال من {المرسلين} و{الصراط} الطريق، والمعنى على طريق وهدى ومهيع رشاد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عامر {تنزيلُ} بالرفع على خبر الابتداء وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والحسن والأعرج والأعمش، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {تنزيلَ} بالنصب على المصدر، واختلف عن عاصم، وهي قراءة طلحة والأشهب وعيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنهما.
{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}.
اختلف المفسرون في قوله: {ما أنذر} فقال عكرمة {ما} بمعنى الذي، والتقدير الشيء الذي أنذره الآباء من النار والعذاب، ويحتمل أن تكون {ما} مصدرية على هذا القول من أن الآباء أنذروا.
قال القاضي أبو محمد: فالآباء على هذا كله هم الأقدمون على مر الدهور، وقوله تعالى: {فهم} مع هذا التأويل بمعنى فإنهم دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة، وقال قتادة {ما} نافية أي أن آباءهم لم ينذروا، فالآباء على هذا هم القريبون منهم، وهذه الآية كقوله تعالى: {وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} [سبأ: 44]، وهذه النذارة المنفية هي نذارة المباشرة والأمر والنهي، وإلا فدعوة الله تعالى من الأرض لم تنقطع قط، وقوله: {فهم} على هذا، الفاء منه واصلة بين الجملتين، ورابطة للثانية بالأولى، و{حق القول} معناه وجب العذاب وسبق القضاء به هذا فيمن لم يؤمن من قريش كمن قتل ببدر وغيرهم، وقوله تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} الآية قال مكي: قيل هي حقيقة في أحوال الآخرة وإذا دخلوا النار.
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} يضعف هذا القول لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله، وقال الضحاك: معناه متعناهم من النفقة في سبيل الله، كما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} [الإسراء: 23]، وقال ابن عباس وابن إسحاق: الآية استعارة لحال الكفرة الذين أرادوا محمدًا صلى الله عليه وسلم بسوء، فجعل الله تعالى هذا مثالًا لهم في كفه إياهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ومنعهم من إذايته حين بيتوه، قال عكرمة: نزلت هذه الآية حين أراد أبو جهل ضربه بالحجر العظيم فمنعه الله تعالى منه، الحديث، وفي غير ذلك من المواطن وقالت فرقة: الآية مستعارة المعاني من منع الله تعالى آباءهم من الإيمان وحوله بينهم وبينه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أرجح الأقوال لأنه تعالى لما ذكر أنهم {لا يؤمنون} بما سبق لهم في الأزل عقب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشقاوة ما حالهم معه حال المغللين، والغل ما أحاط بالعنق على معنى التثقيف والتضييق والتعذيب والأسر ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة هذا معنى التغليل، وقوله تعالى: {فهي} يحتمل أن يعود على الأغلال أي هي عريضة تبلغ بحرفها {الأذقان} والذقن مجتمع اللحيين فيضطر المغلول إلى رفع وجهه نحو السماء وذلك هو الإقماح وهو نحو الإقناع في الهيئة ونحوه ما يفعله الإنسان والحيوان عند شرب الماء البارد وعند الملوحات والحموضة القوية ونحوه، ويحتمل وهو قول الطبري أن تعود هي على الأيدي وإن لم يتقدم لها ذكر لوضوح مكانها من المعنى، وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين، وروي أن في مصحف ابن مسعود وأبيّ {إنا جعلنا في أيمانهم} وفي بضعها {في أيديهم} وقد ذكرنا معنى الإقماح، وقال قتادة: المقمح الرافع رأسه، وقال قتادة: {مقمحون} مضللون عن كل خير، وأرى الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه الإقماح فجعل يديه تحت لحييه وألصقها ورفع رأسه، وقرأ الجمهور {سُدًا} بضم السين في الموضعين، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن مسعود وطلحة وابن وثاب وعكرمة والنخعي وابن كثير {سَدًا} بفتح السين، وقال أبو علي: قال قوم هما بمعنى واحد أي حائلًا يسد طريقهم، وقال عكرمة: ما كان مما يفعله البشر فهو بالضم وما كان خلقة فهو بالفتح.
قال القاضي أبو محمد: والسد ما سد وحال، ومنه قول الأعرابي في صفة سحاب: طلع سد مع انتشار الطفل، أي سحاب سد الأفق، ومنه قولهم: جراد سد، ومعنى الآية أن طريق الهدى سد دونهم، وقرأ جمهور الناس {فأغشيناهم} بالغين منقوطة أي جعلنا على أعينهم غشاوة، وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن يعمر وعمر بن عبد العزيز والنخعي وابن سيرين {فأعشيناهم} بالعين غير منقوطة، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي من العشى أي أضعفنا أبصارهم والمعنى {فهم لا يبصرون} رشدًا ولا هدى، وقرأ يزيد البربري {فأغشيتهم} بتاء دون ألف وبالغين منقوطة.
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)}.
هذه مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم مضمنها تسلية عنهم أي أنهم قد حتم عليهم بالكفر فسواء إنذارك وتركه، والألف في قوله في {أأنذرتهم} ألف التسوية لأنها ليست باستفهام بل المستفهم والمستفهَم مستويان في علم ذلك، وقرأ الجمهور {آنذرتهم} بالمد، وقرأ ابن محيصن والزهري {أنذرتهم} بهمزة واحدة على الخبر، {وسواء} رفع بالابتداء، وقوله: {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} جملة من فعلين متعادلين تقدر تقدير فعل واحد هو خبر الابتداء، كأنه قال وسواء عليهم جميع فعلك ففسر هذا الجميع ب {أنذرتهم أم لم تنذرهم} ومثله قولهم: سواء عندي أقمت أم عقدت، هكذا ذكر أبو علي في تحقيق الخبر في مثل هذا إذ من الأصول أن الابتداء هو الخبر والخبر هو الابتداء، وقوله: {إنما تنذر} ليس على جهة الحصر ب {إنما} بل على تجهة تخصيص من ينفعه الإنذار، و اتباع الذكر هو العمل بما في كتاب الله تعالى والاقتداء به، قال قتادة: {الذكر} القرآن وقوله تعالى: {بالغيب} أي بالخلوات عند مغيب الإنسان عن عيون البشر، ثم قال تعالى: {فبشره} فوحد الضمير مراعاة للفظ من، و الأجر الكريم هو كل ما يأخذه الأجير مقترنًا بحمد على الأحسن وتكرمة، وكذلك هي للمؤمنين الجنة، ثم أخبر تعالى بإحيائه الموتى ردًا على الكفرة، ثم توعدهم بذكره كتب الآثار، وإحصاء كل شيء وكل ما يصنعه الإنسان، فيدخل فيما قدم ويدخل في آثاره لكنه تعالى ذكر الأمر من الجهتين ولينبه على الآثار التي تبقى ويذكر ما قدم الإنسان من خير أو شر، وإلا فذلك كله داخل فيما قدم ابن آدم، وقال قتادة {ما قدموا} معناه من عمل، وقاله ابن زيد ومجاهد وقد يبقى للمرء ما يستن به بعد فيؤجر به أو يأثم، ونظير هذه الآية {علمت نفس ما قدمت وأخرت} [الانفطار: 5]، وقوله: {يُنَبَّأُ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} [القيامة: 13]، وقرأت فرقة {وآثارهم} بالنصب، وقرأ مسروق {وآثارهم} بالرفع، وقال ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في بني سلمة حين أرادوا النقلة إلى جانب المسجد، وقد بينا ذلك في أول السورة، وقال ثابت البناني: مشيت مع أنس بن مالك إلى الصلاة فأسرعت فحبسني فلما انقضت الصلاة قال لي: مشيت مع زيد بن ثابت إلى الصلاة، فأسرعت في مشيي فحبسني فلما انقضت الصلاة قال: مشيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فأسرعت في مشيي فحبسني، فلما انقضت الصلاة قال لي: يا زيد أما علمت أن الآثار تكتب.
قال القاضي أبو محمد: فهذا احتجاج بالآية، وقال مجاهد وقتادة والحسن: والآثار في هذه الآية الخطا، وحكى الثعلبي عن أنس أنه قال: الآثار هي الخطا إلى الجمعة، وقيل الآثار ما يبقى من ذكر العمل فيقتدى به فيكون للعامل أجر من عمل بسنته من بعده، وكذلك الوزر في سنن الشر، وقوله تعالى: {وكلَّ شيء} نصب بفعل مضمر يدل عليه {أحصيناه} كأنه قال وأحصينا كل شيء أحصيناه، و الإمام الكتاب المقتدى به الذي هو حجة، قال مجاهد وقتادة وابن زيد: أراد اللوح المحفوظ، وقالت فرقة: أراد صحف الأعمال. اهـ.